المشعوذة داهية أو الكاهنة بين الحقيقة والوهم الإيديولوجي.
كتب/الأستاذ وليد فقيه
(المغرب العربي، المغرب الاسلامي، شمال أفريقيا، الفتح الإسلامي )
مما لاشك فيه أنه لولا الفتح الإسلامي وتصادم الفاتحين بقبائل جراوة والروم لما كان لداهية او الكاهنة خبرا أو ذكرا .وقد أجمع كل من عاصرها على أنها وإبان تصادم الفاتحين بقومها كانت عجوزا سمراء طاعنة في السن ,ويذكر ابن خلدون في مقدمته أنها كانت عرافة بدليل أنها تبنت واحدا من أبناء الفاتحين وأمرت أبناءها بالإلتحاق بالمسلمين .لما تكهنته في كهانتها من نصر للمسلمين .وقد جاء في مقدمة إبن خلدون أنها كانت وثنية ولها جمل تحمل عليه معبودها وقبل كل معركة كانت تضع صنمها وتبخره وتطوف حوله .وزعامتها في قومها كانت بحكم وظيفتها ككاهنة وعرافة في قوم يدينون بالوثنية . ولعل أفدح وأغبى ما أشارت به على قومها أن أشارت عليهم بسياسة الأرض المحروقة فأعملت في المدائن تخريبا و حرقا و دمارا لم يعهده الأفارقة من الأهالي ولا العرب قبل ذلك، ظنا منها أن الفاتحين راغبون فيما يمتلكه الناس من خيرات و مساكن و أرزاق، فابتدئ مشروعها التدميري قبل هزيمة حسان بن النعمان بمدينة باغاية التي هي خنشلة حاليا فهدمتها و تركتها قاعا صفصافا، يقول المؤرخ بن عذارى :
(فدخل بجيوشه إليها وبلغ الكاهنة خبره فرحلت من الجبل في عدد لا يحصى ولا يبلغ بالاستقصاء وسبقته إلى مدينة باغاية فأخرجت منها الروم وهدمتها ) البيان المغرب في أخبار الأندلس و المغرب ـ بن عذارى ـ ج1 ـ ص 36, 35.
إن حملة الخراب و الدمار التي أطبقتها الكاهنة على البلاد لم تكن مقتصرة فقط على الحواضر و المدن بل تعدت ذلك إلى المزارع و الغابات، مما يعطي لها شكلا يتجاوز بكثير الغزو المغولي لبغداد أو خراب قرطاجة على يد الرومان، يقول المؤرخ بن عذارى:
(وملكت الكاهنة المغرب كله (الشريط الشمالي للمغرب الأوسط والمغرب الأقصى ) بعد حسان خمس سنين فلما رأت إبطاء العرب عنها قالت للبربر إن العرب إنما يطلبون من أفريقية المدائن والذهب والفضة ونحن إنما نريد منها المزارع والمراعي فلا نرى لكم إلا خراب بلاد أفريقية كلها حتى ييئس منها العرب فلا يكون لهم رجوع إليها إلى آخر الدهر فوجهت قومها إلى كل ناحية يقطعون الشجر ويهدمون الحصون ) البيان في أخبار الأندلس و المغرب ـ بن عذارى ـ ج1 ـ ص 36.
لقد دمرت هذه الكاهنة البلاد.و أجهزت على ما بنته أجيال متعاقبة من نتاج الإرث البشري، حيث نتج عن هذا مأساة إنسانية و هجرات للسكان إلى شتى بلدان البحر المتوسط هربا من الأرض التي لا زرع و لا عمران فيها , وخرج يومئذ من النصارى والأفارقة خلق كثير يستغيثون بما نزل بهم من الكاهنة فتفرقوا على الأندلس وسائر الجزر البحرية ) البيان المغرب في أخبار الأندلس و المغرب ـ بن عذارى ـ ج1 ـ ص 37 وبذلك عجلت بإنتصار المسلمين عليها . والغريب أننا بتنا اليوم نسمع عن قوم لم يعاصروها وما كان لهم ليعرفوا عنها شيئ لولا هؤلاء الفاتحين ممن عاصروها .وهاهم دعاة التشظي وعباد العرقيات والأوهام يصطنعون قصصا من خيالهم لها لتغدو ملكة تولت العرش من ملك لا إسم له وإمبراطوية ليس لها أثر ولا أرخ لها أحد والغريب أنك تجد البعض من هؤلاء الحمقى وقد كتب على صورة خيالية لها وكانت تجول بفرسها من طنجة إلى طرابلس ولا يعلم الجاهل أنها كانت عجوزا شمطاء وأن المسلمين كانوا مرابطين بتونس .فكيف كانت تنتقل لطرابلس وما علاقتها بها أصلا ؟؟ لا لشيئ غير تمجيد التشظي والتأسيس لخراب وهدم ما بناه الأسلاف .ليقعد الجميع قاعا صفصفا حائرون تائهون بين البناء والهدم .وكأن تطور الهويات البشرية ,تصنعها الأساطير والخرفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق