أخبار الإنترنت
recent

الأحد، 3 ديسمبر 2017

خاطرة سكونٌ يُشبهــــــني بقلم أنور عباسي

خاطرة


سكونٌ يُشبهــــــني


قطعة من رواية وحي الروح .


بقلم أنور عباسي.


نسائم الأرواح تمر علي من حين إلى حين ، لحظات أفهم فيها معاني ما تهمس به الأشياء من حولي ، فتتحدث الشمس ويبتسم القمر ويتعالى الكون وتتبجح النجوم وتتفاخر الجبال وتتواضع البحار وتغرد السماء ويبكي الليل وتأن الصخور وتتطاير الشهب ...
تهدأ تلك البدائع تارة بعد أخرى ، كأنها تدعونا لنتأمل فيها وندرك ما تحويه لنا وما ترغب في مشاركته معنا ، تأملت الكثير في منها وتعلمت الكثير في حضرتها ونهلت الكثير بالقرب منها ، ولازلت أحس أني أطلب المزيد ولا أحس أني أشبع منها ومن وحيها الذي ساقني إليها ، خلائق فطرت كما فطرت وكُرِّمت عليها أنا ولكن قد لا أكون أفضل منها عبودية للذي أوجدني وأوجدها ..
سرت نحو الشمس في أوج النهار وفي شدة وضوحها وإشراقها وذلك حين قرب الزوال ، فوجدتها جليسة الوحدة ترقب من يشاركها مقعدها وتنتظر من يصغي إلى وحيها الذي تلقي به من حين ظهورها إلى موعد غروبها ، فاستأذنت القرب منها والتمست الجلوس في حضرتها ، وكلي شوق لأعي همسها وأدرك وحيها فأكون مستحقا لتلك اللحظات التي أقضيها بقربها ، وكعادتها لا ترد أحدا فقد خلقت لذلك فلا تمنع نورها ممن أتى في مطلبه وسعى في النهل منه والتروي بإشراقته كل يوم ، فكان ما كان فجلست حيث أجد الوحدة وأستلهم انشراحا يضفي على تلك اللحظات السكون الذي تشاركني فيه هذه الشمس ..
وها أنا قد جلست بجوارها في عز السكون الذي يشبهني ..
أيتها الشمس ما بال قومي قليلا ما يشعرون ؟!
ما بال أمثالي لا يجدون ملاذا أحلى ولا أروع من مجالسة البدائع من أمثالك ؟!
أيتها الشمس ما بال سكونك يشبهني وأنت وأنا لا جامع بيننا غير أننا خلائق ضعاف لا حول لنا من غير فاطرنا ؟!
أتيت أجالسك وأنا عطش لم تروني تلك اللحظات التي أقضيها مع بني البشر ، تتلاشى في حضرتهم الكلمات وتنتشل المشاعر فتجفو كأنها ما حلت يوما بداخل هذا الجسد ، ويسري الجمود نحو كل جارحة من كياني فكأنها حجرٌ لا روح فيه ، عبوسٌ وجهي وخمل عقلي ومأسورٌ فؤادي ومكبلٌ ضميري الذي قام يتجاهلني كأني لم أكن معه يوما ..
نورٌ يستضيء به كل مخلوق في هذا الكون ، تشع به الشمس فتُأنس الوحشة وتُسلي الأسى والحسرة وتهب كل مجنون مَعقِلاً يعي به مدارك الحقائق وتروي كل عطشان تلاشت مشاعره بين حنايا المحن ، تشرق الشمس مع كل يوم منذرة بحلول أمل جديد يأسر كل محروم ويسرح كل مغموم فاقه الغبن والعناء ..
الشمس لم تخلق عبثا ! ولم تشرق بلا غاية ومقصد !
بل تحمل معها نسائم تمس الوجدان وتحرك الصميم وتُثلج الصدر كلما أمعن الإنسان في النظر إليها ، الشمس أكثر من مُجرد مصباح تنار به السموات والأرض بل الشمس هي أصوات هادئة تخاطب العقول وتناجي القلوب وتأسر المشاعر وتحرك الذات التي صقلت على هوى الروح ووحيها في كل حين ، صوتك دائما يشعرني بأن هذه البدائع هي أشياء تشاركنا في الحياة وجعلت لدعوتنا للتأمل في وجودها فهي علامات على قدرة من بث فيا الروح قبلها وأنزلني إليها لأشاركها هذا الكون وأسير معها نحو تحقيق الغاية التي خلقت لأجلها ، فالشمس روح تسير في وضح النهار تدعونا لنتعلم منها الكثير وتبوح بأسرار الكون في وجودها وتبرز عجائب القدير فيما خلق ..
الشمسُ جمال سماوي تجملت به مجرتنا الكونية فتعالى رونقها وانبهر المتأمل فيها وسبح المدرك لعظمة خالقها ..
تتحدث الشمس حين يحل بها السكون الذي يشبهني ويشبه كل روح يأسرها الجمال الحقيقي وتعي لغة التواصل مع بدائع الأكوان وترفعت عن مجالس البشر وترنمت بالحياة مع تلك الفرائد التي تستلهم منها المشاعر المرهفة والأحاسيس الجياشة التي تدفئ كيان الروح العطشى للقاء يلفها شوقٌ عشيق ..
ويبتسم القمر ليخبرني أنه أسعد مني إذ لا احد يخطف منه سروره إذا أحل به ، فهو كالثمرة المعلقة في أعلى غصن من شجرة الخلود السرمدي لا يطأها أحد في الدنيا ..
ويتعالى الكون ليبدو للعيان كأنه صنديد لا يعلم له مثيل فتتحير الألسنة في وصفه وتعجز الأقلام في رسمه ويعجز بنو الإنسان في إدراك حدوده ومداه ..
وتتبجح النجوم كأنها أميرة في حضرة ملك تتمايل لكي تغريه وتخطوا الخطوات الأولى  للنفوذ إليه ، فتُنعش عشاق التأمل في ليلة البدر الهادئة ، فتشع السماء نورا يطال كل سمع وبصر ..
وتتفاخر الجبال بشموخها وعظمتها وتبرز رسوخها حين تهتز الأرض من تحتها ، فتندهش الأذهان وينبهر الوجدان وتتقد نارٌ من العجب والذهول داخل قلب كل إنسان ..
 وتتواضع البحار لترسو على ظهرها السفن الشامخات فتحملها كالتي تحمل ابنها نحو موطئ رأسه لينام ، فتسير بها نحو وجهتها وتتمايل معها يمنة ويسرة والريحُ خادمها الذي لا يرام .. 
وتزهوا السماء بفستانها الذي رقطته بحُلل وجواهر لا تصلها زخارف بني البشر ، ويحذوها عبقٌ لا يُضام أحد في رؤيته ليلة البدر ، فتبرز لمحدق النظر في جمالها لؤلؤة تسمى القمر ..
ويبكي الليل بعد طول غيابه المنتظر وتعلوا أصوات الأقلام تنشد همسه ويلاحق الخيال قطاف نسائمه ويضع الكُتاب مجالس العطاء بين أكف الناظرين لا يبخلون بشيء ..
وتأن الصخور رغم قسوتها وتُلوح بملامح العجب من قسوة بني البشر ، حتى تكاد تتفجر لتخرج دموعها وتسيل سيلان الأنهار في مشارف كل السهول من حولها ..
وتتطاير الشهب رُجوما لكل شيطان ألقى ببصره نحو ما مُنع منه ، فتُزين السماء من فينة لأخرى لتكون نذيرًا لمن غرّه ما ظن أنه يملكه ، فلا تخفى حين ظهورها عن أي بصر !
فألقي أيها الإنسان بحاستك السابعة لتستلذ طعم هذه البدائع التي تجول من حولك وأطلق العنان للتفكر والتأمل لتخضع إجلالا وتسبيحا للذي فطرها ليريك عظمته ومدى ملكه ، فكل شيء من حولك قد تكامل فيه صُنع الذي لا تخفى عنه خافية وقد عج الكون بما يعضد ذلك ويشد اليقين في الاعتراف والإقرار به ..
جمالها ضوءٌ شعشع في كل مكان أدركه أمامه فلا تكن غافلا عن السفر معه كلما رايته قد حل بالقرب منك ، بل سر بجواره واطلب الحكمة من أوسع أبوابها فكل حركة لها تحمل معاني ليس يجهلها اللبيبُ الذي أجمل حياته بالتفكر فيما خُلق من حوله .
رَاقِي بقُرّائي .
 قطعة من رواية وحي الروح .
بقلم أنور عباسي.

هناك 4 تعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.