#أندلسيات_أملبسم الله الرحمان الرحيم
يقول بوستافلوين:"لا يعرف العالم فاتحا أعول و لا أرحم من العرب"
أندلسيات بقلم "#محمد_بوحالة
"المسلمون و الأندلس"
ليس مقصودنا في هذا المقال التأريخ للمسليمن في الأندلس,فإن ذلك يقتضي بحثا
دقيقا وجهدا جماعيا تشارك فيه مجموعة من التخصصات ، كما يستدعي إبعاد النظرة الأحادية
في تفسير الأحداث و الوقائع فلا يحكم عن الفترة التاريخية فقط من خلال رواة التاريخ
وحدهم وإنما ينبغي الالتفات إلى نتاج الأدباء فيه وشعر الشعراء وأحكام الساسة ، وأقوالهم
كما ينظر إلى ما صدر من فتاوى و أقوال فقهية بل حتى أقوال العامة و سوقة فربما عندها
فقط يتضح من الصورة جانبها الأكبر ...فتاريخ المسلمين هو ما حدث لهم و ليس هو الإسلام.
...إنما مرادنا تسليط الضوء على بعض المواطن
فتظهر للعيان فيكون عندئذ كما جاء في الأثر"..ليس الخبر كالمعاينة.." ثم
بعد ذلك يتولى القارئ عملية تحليلية و دمج كيميائي في مختبره الخاص.يخلص به إلى فوائد
قد تسعفه في فهم ما حدث وما يحدث و ما قد يحدث...
""فاقصص القصص لعلهم يتفكرون"
-الأندلس:مصطلح أطلق على الجزيرة الإيبيرية
الواقعة جنوب فرنسا المسماة اليوم بإسبانيا وهو مأخوذ من اسم قبائل الوندال "Vandls"ذات الأصول الجرمانية
لما إحتلوا الجزيرة في القرن الثالث ميلادي ، وهذا المصطلح اليوم في التقسيم الإداري
الإسباني يطلق فقط على مجموعة من الولايات الجنوبية من الدولة . أما عند المسلمين فهو
يطلق على كل ما وصل إليه سلطان العرب في شبه الجزيرة.
-لقد إنغرست الأندلس في وجدان العرب و المسلمين
ووقعت وقعا مؤثرا في قلوبهم بعد الحرمي الشريفين وثاني القبلتين الأقصى قبل كل قطر
آخر رغم بعد المكان و الزمان .. وذلك لأن صورة ناطقة عن الفتح الإسلامي في قوته و عنفوانه
فقد كان الفاتحون المسلمون أهل شجاعة نطقت بها حتى الجغرافيا الصماء فلا زال جبل طارق
يصرخ بأعلى صوته باسم القائد طارق بن زياد .كما كانوا أهل عدل وشرف ، وحفاظ على العهود
و المواثيق .و أهل سماحة و رحمة بالمخالفين بخلاف أعدائهم لما تمكنوا منهم كيف أذاقوهم
الويل ونشهد على ذلك عبارة المعتمد بن عبَاد لما إستنصر بإبن تاشفين عقب سقوط طليلة
في يد ألفونسو السادس عام(478ه-1085م) فأشار إليه بأخذ مقربيه بغير ذلك وخوَفه من إبن
تاشفين فقال:"لئن أكون راعي جمال عند إبن تاشفين خير من أن أكون راعي خنازير عند
ألفونسو".
- و الأندلس شهادة لا زور فيها عن الحضارة
الهادية البانية . فقد كان روادها أهل علم و ثقافة . ففي أشبيلية التي لم يبق من مسجدها
الشهير إلا المنارة الموحدية . يذكر المؤرخون أن المؤذن يرتقيها على حصان لأن طريقها هندس علي الميل الخفيف لا على الدرج
المعتاد وتلك قمة الإتقان.
-وها هو أبو القاسم الزهراوي من مواليد
الزهراء الأندلسية عام (938ه-1013م) الطبيب الحاذق و الجراح الماهر يعدُ من من أعظم
الجراحين العرب على الإطلاق وصيدلي ذكي و موفق ظل كتابه "التصريف لمن عجز عن التأليف"
طوال خمسمائة عام عمدة المشتغلين بالجراحة في أوروبا وقد تكلم فيه عن جراحة العين
و الأذن و العنق وعن تفتيت الحصى في المثانة
وعن تعقيم الجراح وتشريح الأجسام حية وميتة وضمنه رسمات لآلات وأدوات الجراحة كما شرح
في كتابه "عمل اليد" الصناعة الجراحية في أحوال الجبر و الكسر و الخلع و
الكي .
-وفي الفلك توصل إبن رشد (595ه-1198م)بالحساب
إلى وقت عبور عطارد الكوكب على قرص الشمس ورصد إبن ماجه الأندلسي (533ه-1138م)الكسوف
و الخسوف وحدد مواقيت حدوثها .
كما صنع إبراهيم السهلي وهو من بلسنة عام
1080م كرة سماوية بين عليها السماء وكواكبها و نجومها .
و أما الزرقالي (493ه-1099م)صاحب اللوائح
الطليطلية التي ترجمت إلى اللاتينية بعنوان اللوائح الألفونسية نسبة إلى ألفونسو العاشر
و قد حدد الزرقالي في أدق درجة عرفت في عصره لحركة أوج الشمس بالنسبة إلى النجوم وقد
بلغ مقدارها عنده 12.04دقيقة ، وقدر مقدارها اليوم ب 12.08دقيقة.
كما أخبرنا التاريخ أن اثنين من أعظم بابوات
روما وهي أعلى مرتبة في هرم الكهنوت المسيحي درسا في قرطبة وقد أسلم أحدهما وكتم إسلامه
كما أن أحد ملوك بريطانيا أرسل عددا من بناته الأميرات ليتمدرسن فيها .يقول بتراند
راسل: "إن روجر بيكون أخرج الفكر الإنكليزي من غياهب الكنيسة لأنه قرأ للفلاسفة
العرب".
و الأندلس صفحة مشرقة ناصعة بالبطولة والتضحية
لرجال كرام و نساء حرائر كما أن فيها خط أسود بارز بالخيانة و الخذلان من قاعدين و
قواعد و انتهى بهم الحال إلى سقوط ا مثيل له في تاريخ الدول و الحضارات فتهاوت قلاعهم
تباعا آخرها غرناطة سلمها آخر ملوك بني الأحمر أبو عبد الله الصغير للإسبان في يوم
حزين و بارد هو الثاني من يناير 1492م.ثم خرج من قصر الحمراء إلى خارج مدينته إلى تلة
صغيرة لا زالت إلى اليوم تعرف ب"حسرة العربي" وإلتفت إلى غرناطة و بكى فقالت
له أمه الحرة العربية "عائشة":**إبك مثل النساء ملكا لم تحافظ عليه مثل الرجال
**
ومما يزيد القلب ولعة وعذابا أن الملكين الإسبانيين المنتصرين فرديناند و إيزابيلا
كل العهود التي أبرماها مع ابي عبد الله الصغير وتنكرا لجميع الإتفاقات وفعلا بالمسلمين
الأفاعيل وتبعهما على الخط نفسه أغلب الملوك و الأمراء و الأحبار الإسبان ولاحقوا المسلمين
و آذوهم في الدين و الزي والعادة و الأملاك و الأنفس والأعراض وأنشأوالذلك ديوان تحقيق
عرف بإسم "محاكم التفتيش" وهو من الوحشية و الهمجية و القسوة وصمة عار في
جبين البشرية كلها،وقد أدى دوره على أشنع و أبشع وجه ،ولم ينجو من فضاعته حتى المسلمين
الذين تنصروا خوفا أو حقيقة .
مكر ملوكٍ على الأغبياء جاز ونصارى بالنصر يُنكِلون أما البقية الباقية فرحلوا
إلى أماكن عدة من العالم الإسلامي يوم أُرسلت لهم فتاوي من شمال إفريقيا تأمرهم بالهجرة
لأم بلادهم ما عادت دار إسلام،ثم تركهم هؤلاء المفتين نهبل لقطاع الطرق وطعمة للصوص،فكان الهم همان والظلم
ظُلمان، حتى لتذكُر الروايات أن قبيلتين أندلسيتين أُبيدتا بالكامل في غرب الجزائر
...وثالثة الأثافي هي:تقاعس الخلافة العثمانية عن نُصرتهم في الأندلس ،وقد كانت أوربا
تجعل لها ألف حساب لقوتها وقد مضى على تأسيسها نصف قرن ،كما خذلتهم مرة أخرى في دفع
اللصوصية عنهم ،وحفظ مالهم و عيالهم و أرواحهم في ديار المسلمين...
أشكوا إلى الله جهلا أضر بنا***بل ليس جهلا
ولكن علم مفتون
من تحصن بعليم على علة ***فإنما حصنه سجن
مسجون
-ورحم الله- شوقي حين صور بعبقريته ثمانية
قرون للمسلمين في الأندلس وتسعها بدءاً من الفتح إلى غاية السقوط ثم التشرد و الإذلال و الإيذاء . فأبدع حين مثل الأجداد الفاتحين كأنهم
ملوك على العروش و الأحفاد المطرودين كأنهم موتى على النعوش:
ركبوا البحار نعشا وكانت***تحت آبائهم العرش
بالأمس
ومن روائع شوقي في سينيته هذه أيضا:بيت
يُظهر لنا فيه أن قرطبة
قرية صغيرة لا قمة لها فإذا هي بالمسلمين
بلدة تُمسك الأرض علما و حكما وحضارة حتى لا تحيد و لا تميد:
قرية لا تٌعد في الأرض صارت***تمسك الأرض
أن تميد وترسي
ومن العجائب أن أهل الأندلس لِفرط ذكائهم،وقوة
فهومهم،أدرك كثير منهم مآل الآخر قبل وُقوعه،فابن العسال يقول قبل سقوط غرناطة بمائتي
عام:
يا أهل الأندلس حثوا مطيكم***فما المقام
بها إلا من الغلط
الثوب ينسَل من أطرافه وأرى***ثوب الجزيرة
ينسل من الوسط
ونحن بين عدو لا يفارقنا***كيف الحياة مع
الحيات في سفط
-.....يتبع-
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق