خواطر مع علي فارس
أفكر في الانتحار / بن سخري يعقوب تقي الدين
لا أريد أن آخذ الحياة على محمل الجدّ , هي من يفعل ذلك باستمرار و هذا يبدو كافيا جدّا , أن يصبح كلانا جديّا في الآن ذاته قد يجرّني نحو الهاوية ,و نحن يجب أن نظلّ نسير متوازيين و بيننا القدر الكافي من الإحترام و اللاّ مبالاة , أنا لا أخاف من الهاوية , أنا أخاف فقط أن يصبح وجودي ثقيلا فيمنعني ذلك من الحركة و يحجب عني الرؤية , و هذا أمر أخطر بكثير من الاستسلام للسّقوط البسيط في الهاوية لأنّه يفقدني صوابي و يسلبني كلّ قدرة على السيطرة أو حتّى على ذلك الإحساس البدائيّ الأوّل بأنّني هنا : داخل ذاتي ...أن أدخل في الحياة و نصبح أنا و هي واحدا يسلبني خفّتي فورا و بالتّالي قدرتي البدائية الخام على الإدراك و أنا جرّبت هذا الأمر مرارا و تأكّدت أنّني يجب أن أحاول السّير دائما في خطّ موازٍ لها . لا أحد استشارني كي أكون هنا , و هذا في حدّ ذاته مزحة ثقيلة الظلّ . جئت فجأة فوجدت الكثير من الأوزار فوق ظهري و الكثير من الفوضى فوق ظهر العالم.. من المسؤول عن ذلك ؟؟ لا أعرف مطلقا كيف أجيب عن هذا السّؤال الفلكيّ .. و مع ذلك -أنا الذّي جيء بي متأخّرا - عليّ أن أتعامل مع كلّ شيء باعتباري مسؤولا مباشرا عنه... مرّات كثيرة فكّرت في الإنتحار. لم يكن هذا الأمر ليقلقني كثيرا و لكنّه كان يقلق الحياة , لأنّها تأخذ الأمور على محمل الجدّ و لذلك كانت سرعان ما تخطفني نحوها و تحضنني , و حين تحضنني أحسّ فورا بثقلها و أحاول أن أتجّنب الإنصهار فيها ثمّ سرعان ما أبتعد و أحاول السّير مرّة أخرى بجانبها , موازيا لها حيث يظلّ كلّ منّا لحاله . لا يمكن أن أظلّ على خشبة مسرحها دائما أرتجل دورا غامضا إلى ما لا نهاية دون أن أتمكّن من النّزول أبدا . سيكون ذلك أشبه بأنّ الحياة هي من يعيش و ليس أنا ... لا أعرف إن كانت الكتابة هي التّي تمنحني دائما المسافة الضّروريّة تلك . و لكنّني أعرف أنّ الكتابة نفسها أمر غير جديّ بالمرّة . حتّى الكتّاب الكبار أدّعي أنّني أعرف سرّهم . إنّهم يائسون تماما و المجد نفسه لا يعني لهم شيئا . المجد في علاقة بهم أشبه بالموت في علاقة بالأموات . فمثلما الموت قضيّة الأحياء لا الأموات , فالمجد أيضا قضيّة القرّاء لا الكتّاب . كلاهما أشبه بالفونتازم الّذي ليس له أبدا علاقة بالحقيقة .. في مرّات نادرة أتعثّر و أنزلق نحو الحياة فأصبح جديّا مثلها كأن أفكّر مثلا أنّ بيتا واحدا لأبي العتاهية بإمكانه اختصار كلّ شيء و رغم ذلك ما يزال النّاس في كلّ مكان يصيحون و يتوالدون و يتقاتلون و يصنعون الصّواريخ و ناطحات السّحاب و القطارات السّريعة و حبوب الانتصاب . و حينها "أسارع في الضّحك حتّى لا أجد نفسي مجبرا فورا على البكاء" مثلما يقول صديقي بومارشي ... داخل الحياة عليك أن تعيش وكأنّك شبح أو ظلّ . عليك أن تكون وكأنّك غير موجود أو غير مرئيّ . و تكتب ثمّ تكتب ثمّ تكتب كي تكون دائما على مسافة كافية معها . من يعتبر ذلك انسحابا أو استسلاما أعتبره ضالّا و أحمق , أعتبر أنّه -بكلّ بساطة- لم يفهم شيئا ... السّحب البيضاء يتعتّم لونها رويدا رويدا في الخارج مثل قطن يذرّون فوقه الرّماد , و طعم سجائر الغولواز ليس ثقيلا كعادته , أسمع فحيحا داخل صدري , فلا أهتمّ كثيرا , هي الأفعى التّي تسكن داخله تطلب حصّتها من السّجائر , أنا سوف آخذ نفسا آخر و هذا كلّ ما في الأمر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق